أمنية صلاح: «كف المسيح» معنية بتشريح الإنسان وعلاقته بنفسه ومجتمعه

خرجت من المنطقة الآمنة التى تفرضها علينا انتماءاتنا الفكرية والعقائدية/ الأديبات لسن ضحايا لأحد.. وعليهن الابتعاد عن التقوقع حول كتابة الذات

أمنية صلاح كاتبة وروائية شابة.. صدر لها العديد من الأعمال، آخرها رواية "كف المسيح"، التى جرى استقبالها بحفاوة من القراء والأدباء على السواء، نظرا لما تمتلكه من موهبة واضحة، سواء فى صوغ شخصياتها وتشكيلهم، أو فى اللغة العذبة التى تكتب بها، وتتناسب مع عوالم الرواية، فقد استطاعت فى روايتها أن أن تغوص فى نفوس شخصيات روايتها، بمهارة ونفاذ، لتقدم ما يعتمل فى دواخلهم، وكأنها تمتلك مبضع جراح وتمارس به تشريح النفس البشرية، سواء فى علاقة كل شخصية بذاتها، أو فى علاقتها ببقية الشخصيات، أو فى علاقتهم جميعا بالثقافة المهيمنة حولهم، لتقدم فى النهاية وعبر الرواية كلها صورة عميقة وكاشفة لكل شخصية على حدة، وللعالم الذى يجمعهم معا.. لتضع أمنية صلاح بهذه الرواية اسمها فى مكانة مهمة داخل المشهد الأدبى، كواحدة من الأسماء التى يعول عليها لتكون فى طليعة المشهد مستقبلا، وتقدم منجزا ومشروعا إبداعيا يليق بموهبتها، خاصة أنها تجمع بين الإبداع والعقل الأكاديمى المنهجى، فهى حاصلة على الدكتوراه فى الفنون القبطية من جامعة الإسكندرية، حيث تعيش فى مجتمع له تاريخ مع الكوزموبوليتانية مما يتيح لها مزيدا من انفتاح عالمها الروائى والسردى على احتمالات متعددة.. تحدثنا مع ابنة الثغر عن بداياتها وروايتها ومشروعاتها القادمة وكان معها هذا الحوار..

كيف كانت بدايتك مع الكتابة؟

بدايتى جاءت فى مرحلة مبكرة جدًا.. كانت اللغة العربية دومًا مادتى الأثيرة، وكنت الطالبة المفضلة لكل مدرسى المادة منذ الإبتدائية وحتى المرحلة الثانوية.. كنت أكتب قصاصات من الخواطر والقصص، وأنا لم أبلغ العاشرة، وفى المرحلة الإعدادية والثانوية ترأستُ الإذاعة المدرسية، فكنت أستغل سُلطاتى وأقرأ ما كتبته من قصص وخواطر ومقالات، وكلما نال ما أكتبه إعجاب الأساتذة والطلبة زاد حبى للكتابة واللغة، وفى الكلية اشتركت فى باب الأدب بأكثر من جريدة محلية، كما نشرت بعض قصاصاتى فى الكتب الجماعية التى كانت تُنتج للشباب.

 من أهم الكتاب الذين تأثرت بهم؟

فى البداية تأثرتُ ككل جيلى بدكتور نبيل فاروق، ومن بعده دكتور أحمد خالد توفيق، ثم انتقلتُ إلى قراءة الأعمال الكلاسيكية: طه حسين ودوستويفسكى وتوفيق الحكيم ويحيى حقى وهيمنجواى وتشيكوف ويوسف إدريس وكافكا وفلوبير وهرمان ملفيل ومارك توين وتولستوى، غصتُ فى هذا العالم، وكنت أترجم ما أقرأه على هيئة سطور، متأرجحة فى أسلوبى بين كل من قرأت لهم.

 حدثينا عن رواية "كف المسيح"؟

هذا المشروع أخذ منى قرابة 4 سنوات لإنجازه، بين بحث ومذاكرة وكتابة ومراجعة وحذف، وتنقيح وإعادة كتابة. وفخورة بالمُنجز النهائى.

هى رواية اجتماعية، معنية بتشريح الإنسان وعلاقته بنفسه وبمجتمعه.. أحداثها تدور حول سيدة مسيحية قوية تقود عائلتها فى اتجاه واحد، مأخوذة بإيمانها بنبوءة ألقتها عليها قارئة كف لتكون النبوءة ذاتية التحقق! وأطرح من خلاله تساؤل: هل يكفى الإيمان بالشىء وتصديقه – سواء أكان نبوءة خرافية أو أى شىء آخر- ليتحقق؟ حتى لو كان تصديقه دافعًا نقاومه من خلاله! ثم هل اللجوء للروحانية الدينية - تحت جناح أى دين - يكفينا للتخلص من آلام أرواحنا؟ أم أنه مجرد هروب من الواقع.

 اختيار "كف المسيح" عنوانا للرواية كان إشارة للقارئ من البداية أن الرواية تدور عن شخصيات وأجواء مسيحية.. فهل هذا عن قصد أم صدفة أم جرأة؟

ليست صدفة بالطبع؛ المسيح تيمة أدبية وسينمائية قديمة، والعمل هنا يقوم على نبوءة قراءة كف وشخوصه معظمهم من المسيحيين، بالإضافة إلى أننى أرى فى المسيح فلسفة أكثر منه شخص مقدس على علاقة بالسماء، هذه الفلسفة تتمثل فى امتصاص آلام الآخرين، وفى التضحية من أجل البشر وتحسين أحوالهم، وهو الأمر الذى مارسه "القس دانيال" مع شخصية "سُوسَنَّة" الحفيدة فى الرواية.

 هل دراستك للآثار والفنون القبطية ساعدك فى كتابة روايتك الأولى "ميلاد" ثم رواية "كف المسيح"؟

رواية "الميلاد" توثّق أحداثًا سياسية مهمة فى مصر، فى الفترة ما بين العدوان الثلاثى 1956 واغتيال الرئيس الراحل أنور السادات 1981، وبالتالى لا علاقة لها بالأجواء المسيحية غير اسم البطل (ميلاد/ طلبة) الذى أسماه أبوه تيمنَا باسم صديقه القديم ليس إلا. 

أما "كف المسيح" فنعم، ساعدتنى دراستى فى المعايشة. أؤمن بأن كل عمل أدبى لا بد له من بذرة، تقبع فى تلافيف عقل صانعه، بذرة مرتبطة برؤيته، تجاربه، خبراته السابقة، أو مواقف اختبرها ومرت به، من تلك التجارب ما يترك أثرًا فى ذاكرة الفنان، فيسترجعها وقتما شاء ليخلق منها خلقًا جديدًا، وينسج عالمه الخيالى انطلاقًا من تلك البذرة، وأنا اختبرت تفاصيل مختلفة فرضَتها عليّ دراستى، فاستطعتُ الخروج من المنطقة الآمنة التى تفرضها علينا دومًا انتماءاتنا الفكرية والعقائدية تجاه الأديان الأخرى، وخطوت إلى الداخل، واختبرت أنماطًا مختلفة من البشر والقراءات والخبرات.. أردت توظيفها جميعًا فى الكتابة.

 ألم تشعرى بالقلق من كتابة عمل يدور عن الثقافة والمجتمع المسيحى؟

ولمَ القلق؟ مجتمعنا المصرى المعاصر ما هو إلا خليط من المسلمين والأقباط..

ما الجديد إذًا؟ أنا فى النهاية أستعرض أنماطًا مختلفة من البشر، سواء يدينون بالمسيحية أو باليهودية أو بالهندوسية أو لا يدينون بدين، هذا هو الفن فى النهاية.

ثم إن تعاونى مع دار بحجم دار العين للنشر كان جديرًأ بطمأنتى، من المعروف عن د. فاطمة البودى-مؤسسة دار العين- أنها تتمتع بقدر كبير من المهنية، وتُقدم على نشر الأعمال الجدلية، طالما أن الكتابة جيدة. أنا مع ناشرة لا تخاف.

 هناك من يرى أن دراستك للحياة والعادات المسيحية جعل الرواية كأنها تقدم معلومات عامة عن هذا المجتمع، فطغت على الحكاية الأساسية.. فما رأيك؟

وهناك أيضا من رأى أن المعلومات تم تضفيرها فى المتن بشكل متوازن.. ولكن هناك أيضًا من رأى أن المعلومات تطغى على الحكاية الرئيسية، هى آراء فى النهاية ولن تستطيع أبدًا إرضاء جميع الأذواق.

 كيف صورتى علاقة الجدة بالحفيدة ولماذا اخترت لهما نفس الاسم؟ وهل العلاقة بينهما علاقة حب أم مصلحة؟

هى علاقة معقدة جدًا، أرادت الجدة لحفيدتها أن تصير ظلًا لها، أو خيالا، أن تنسخ روحها فى جسد الحفيدة، فأعطتها اسمها وغرست يدها فى أدق تفاصيل تربيتها. فى البداية نجد الحفيدة وقد استسلمت لهذا المسلك فى التربية، بدافع شخصيتها الهشة وضعف ثقتها بنفسها، لكن يتغير كل شىء عندما تدرك حقيقة دوافع الجدة.

 كيف ترين فكرة الإيمان بالخرافات والدجل فى مجتمعاتنا العربية؟

مبدئيًا، لم أصنف قراءة الكف فى العمل بأنها "خرافة"، هى ممارسة -شئنا أم أبينا - موجودة ومتعارف عليها منذ آلاف السنين، وتوارثها العالِمين شفهيًا.. فمصطلح الدجل فضفاض، قد يمتد بالباطل لأشياء أخرى لا علاقة لها بالدجل، أما بالنسبة للخرافة فى مجتمنا بشكل عام، فهى سمة مميِزة للمجتمع الشرقى بكل أسف، سواء تلك المرتبطة بقصص الجن والعفاريت والقدرات الخارقة، أو حتى تلك الدخيلة على أدياننا السماوية بما يسمى (إسرائيليات). أعتبر تلك أيضًا خرافة، ولكنها خرافة مقدسة.

 فى مجموعتك القصصية "وضعتها أنثي" تناولت المرأة بأحزانها وانتصاراتها، فهل المرأة تملك القدرة على التغيير  ومواجهة المجتمع؟

فى "وضَعتُها أنثى" أردتُ أن أبين أن المرأة لا تبكى فقط لكونها حزينة، المرأة تبكى لأن الله وهبها هذا الإحساس وتلك الرهافة، عاطفتها تطغى على عقلها فى كثير من  الأحايين، فحاولتُ عبر 14 قصة تتبُّع كل تلك الأحاسيس المتضاربة داخل الأنثى، فظهرت عناوين مختلفة مثل: "دمعة فخر- دمعة كبرياء – دمعة هزيمة – دمعة احتياج– دمعة هائمة، وهكذا"، وجدتُ أن الأنثى تبكى فى أحزانها وفى انتصاراتها وفى انكسارتِها وفى لحظات عشقِها، فالدمعة بمعناها الواسع هى الأنثى فى الحقيقة. أصدق وأطهر ما فيها. وقمتُ بعمل تصدير لكل قصة عبارة عن رباعية من رباعيات صلاح جاهين تناسب أجواء النص.

 بدايتك كانت رواية ثم كتبت قصة قصيرة ثم عدت للرواية مرة أخرى. أيهما الأقرب لك الرواية أم القصة القصيرة؟

أحب الرواية مثل حبى للقصص، هذا نوع من الحب وذاك نوعٌ آخر، أحب الاثنين، كل منهما له توقيت خروج وله متعة خاصة به.

 هل هناك صعوبات تواجه الأديبات فى مصر؟

لا أحب تلك الفقاعة ولا أميل لها، فكرة كوننا ضحايا لمجتمعٍ من الذئاب. فى الحقيقة، لا أرانا ضحايا، نحن بشر، مثلنا مثل الأدباء الرجال، كلانا فنان يستمتع بخلق عالمه الوهمى، وفق مخيلته الخاصة وذائقته، كلانا يشعر بذات المتعة وهو ينجز مشروعا جديدا، ونفس الخواء بعد إنجازه، نشعر بنفس التقدير إذا ما لاقت أقلامنا الإطراء، للأديبة والأديب نفس العقل والقلب، فباستطاعة الأنثى أن تبتعد عن التقوقع حول كتابة ذاتها وأن تكتب فى كل شىء؛ فى التاريخ والفلسفة ومقارنة الأديان والعلوم، ربما اتجاه بعضهن للكتابة النسوية وحصر أقلامهن فى هذا النوع من الأعمال هو ما خلق هذا التصنيف من الأساس. أما أنا فلا أعترف به.

فالإجابة: تتعرض الأديبات لمثل الصعوبات التى يتعرض لها الأدباء.. لسن ضحايا لأحد.

 هل أنصفك النقد وتعامل مع تجربتك بما تستحقه؟

نوقش العمل فى محافل نقدية هامة، وما زال من المخطط مناقشته فى أكثر من محفل مع عُمد النقد الأدبى.. فنعم أرى أنها تنال ما تستحقه من احتفاء بالفعل.

 ما عملك القادم، وهل ستبتعدين فيه عن مجال تخصصك؟

عندى أكثر من مشروع حاليًا.. ربما أبتعد عن مجال تخصصى وربما لا أبتعد.. دعنا نن تظر لنرى .

Katen Doe

أميرة سعيد

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من ثقافة

How Breakers Prevent Major Electrical Failures

How Breakers Prevent Major Electrical Failures

قصة مصورة - تحت الجردل

على سطح العربة، قرفص "الفواعلى"، منتظراً على نار قطع المسافة الشاسعة التي تفصله عن منطقة العمل.

حسن فؤاد.. الراعى الرسمى للمبدعين.. وجواهرجى الموهوبين

الفنان الذى حوَّل سجن الواحات إلى لوحات اكتشف واحتضن المئات من نجوم الرسم والصحافة وترك بصمته على الجميع رسوماته لشخصيات...

مى حمدى منصور تتحدث عن «عمها» شاعر النصر وصاحب «حدوتة مصرية»

عبد الرحيم منصور رفض طلب السادات بأن يكتب قصيدة هجاء فى الأبنودى والدته هى سر عبقريته.. وماتت بعد رحيله ب...