سمية بنت خياط.. أول شهيدة فى سبيـل الله قتلها «أبو جهل» فى مكة

سمية بنت خياط، كانت من فقراء مكة، وكانت ضمن سبعة جاهروا بإسلامهم وتحدوا كفار قريش وتحملوا الأذى،
لكنها الوحيدة التى كان نصيبها القتل على أيدى "عمرو بن هشام" الذى كانت كنيته "أبو الحكم"، وبعد ارتكابه جريمته أطلق المسلمون عليه كنية "أبو جهل"، وهو من أعداء الرسالة المحمدية والهداية السماوية، و"سمية" والدة الصحابى الجليل "عمار بن ياسر" وكان النبى الأعظم صلى الله عليه وسلم يمر فى طرقات مكة ويرى العذاب على أبدانهم فيصبرهم "صبرا آل ياسر إن موعدكم االجنة، وكانت سمية تتحمل كل صنوف الأذى راضية وفاضت روحها وهى تشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..
كانت "سمية بنت خياط" العبدة الفقيرة، التى تنتمى للرقيق الأسود، تخدم سيدها "أبو حذيفة بن المغيرة المخزومى"، وكان زوجها اليمنى القحطانى "ياسر بن عامر" من الموالى التابعين لسيدها أبى حذيفة، وهذا الوضع الاجتماعى فى أدنى السلم الطبقى الذى كان سائدا فى تلك الحقبة الجاهلية، جعلها تؤمن بالإسلام، دين الرحمة والمساواة بين البشر، وكان الفقراء من العبيد والموالى يشتاقون للحرية والكرامة، وجاءت دعوة النبى الأعظم "محمد" صلى الله عليه وسلم، لتفتح باب الأمل لهؤلاء الذين كانوا يعرقون ويعملون لدى سادة قريش ويعاقبون بالقتل والجلد، وكانت الدعوة التى دعا بها النبى الكريم جاذبة لكل مشتاق للتحرر والخروج من ظلمات الجهل إلى النور، وكان "العبيد" هم الشريحة التى استجابت لنداء الإسلام، فأصاب ذلك الموقف سادتهم بالجنون والسعار، فقرروا أن يجعلوهم عبرة لغيرهم، فكانوا يسحبونهم عراة على صخور مكة فى وقت الحر الشديد، ويضربونهم بالحديد ويكوون جلودهم بالنار، ويطلبون منهم الخروج من الإسلام، وكان "بلال بن رباح" مثل بقية العبيد، يتحمل العذاب وهو يقول "أحد أحد" رافضا النطق بكلمة الكفر، وكانت "سمية" مثله، فقتلها الملعون "عمرو بن هشام" بحربة، طعنها بها، فماتت، وكانت عجوزا ضعيفة، ومنذ تلك اللحظة، أصبح اسمه على ألسنة المسلمين "أبو جهل" بعد أن كان اسمه "أبوالحكم"، وأصبحت "سمية" رضى الله عنها أول شهيدة فى الإسلام، قبل دخول المسلمين فى مراحل المواجهات القتالية فى الغزوات المعروفة فى التاريخ الإسلامى.
ومن الذين آمنوا بالإسلام من الفقراء والموالى: بلال بن رباح وصهيب الرومى وعمار بن ياسر وخباب بن الأرت وعمار بن ياسر، وكان أبوبكر الصديق رضى الله عنه مؤمنا مثلهم ،لكنه كان من قبيلة قرشية وله تجارة ومال، فلم ينله العذاب من الكفار، لكن العبيد والموالى كانوا بلا ظهر يحميهم فتحملوا العذاب والأذى.
زوجها من الموالى
كانت قبائل "قريش" الغنية تجاور بيت الله الحرام وتحتكر القوة والسلطة فى مكة وما حولها، وكانت القبائل العربية تدين لقريش بالولاء، وكان التراتب الطبقى والعرقى هو السائد فى الزمن الجاهلى فالقوى يأكل الضعيف حقيقة لا مجازا، وكانت القبائل القوية تستعبد القبائل الضعيفة، وكانت للناس درجات فهذا "سيد"وله "موالى" يخدمونه ويحميهم، يتبعونه فى كل الأحوال، وكان له "عبيد" يرعون الإبل والغنم التى يملكها، وهو مالكهم، لو قتل الواحد منهم لا يلومه أحد ولا يعاتبه أحد فهو السيد وهو المالك لرقبة العبد، وكانت "سمية" ـ رضى الله عنها ـ من الرقيق الأسود، وكان زوجها "ياسربن عامر بن مالك" من "الموالى"، وهم شريحة من العرب الفقراء، من بنى "عنس" وهى قبيلة يمنية قحطانية، جاء إلى "مكة" ومعه أخواه "الحارث" و"المالك" يبحثان عن أخ لهما كان فى مكة، ورجع "الحارث"و"المالك" إلى اليمن وبقى "ياسر" وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وتزوج من "سمية" وأنجب منها "عمار" ولما جاء الإسلام أسلم "ياسر" وأخوه"عبد الله" الذى كان فى مكة ومن أجله جاء "ياسر" وأخواه من اليمن، بهدف البحث عنه والاطمئنان على حياته، وهكذا شاء الله عزوجل أن يأتى "ياسر" ويتزوج "سمية" وينجبان "عمار" ويدخلون الإسلام ويجاهدون فى سبيل الله ويعدهم الرسول الكريم بالجنة.
ولم يكن دخول "آل ياسر" الإسلام أمرا هينا، فقد تحملوا الكثير من العذاب من جانب "بنى مخزوم "سادتهم الكفار، وكان "عمار بن ياسر" قد ضعف تحت سياط التعذيب، فأكره على نطق كلمة الكفر، وأكره على سب النبى الأعظم، وجاء "عمار" إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له صلوات الله عليه:
ـ ما وراءك؟
فقال عمار حزينا باكيا:
ـ شر يارسول الله.. ما تركونى حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير..
فقال النبى الأعظم:
ـ وكيف تجد قلبك؟
فقال "عمار":
ـ أجده مطمئنا بالإيمان..
فقال له النبى الكريم:
ـ إن عادوا لك فعد لهم..
..وكان "آل ياسر" يلقون العذاب فى "مكة"، وكانت قوى الكفر تحارب الدين الجديد بكل ما لديها من قوة وقسوة، ونزل قوله تعالى "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "توضيحا وتخفيفا عن "عمار بن ياسر" وغيره من المسلمين الذين أجبروا على نطق كلمة الكفر..
مع الإمام على
كان الإمام على بن أبى طالب من السابقين فى الإسلام، وتربى فى بيت النبى وتشرب مبادىء الإسلام وأعطاه الله محبة النبى ،فزوجه "فاطمة" ابنته، ومن صلب "على" خرج نسل النبى الذى رزقه الله بأسباطه من ابنته الأقرب إلى قلبه، وهذا كله كان له جانب فكرى وروحى فى حياة الإمام على رضى الله عنه وكرم الله وجهه، فهو الذى فهم جوهر الرسالة، وكان القاضى الذى فهم مقاصد الشريعة، منفكان "عمر بن الخطاب" يقول ما معناه لولاعلى لهلك عمر، لأن الإمام كان يصدرالأحكام القضائية التى تعبرعن روح الشرع الإسلامى مستفيدا بما تلقاه من النبى الأعظم من خبرات ودروس، وهذا يؤكد لنا ما ورد من أحاديث نبوية تؤكد أن الإمام هو الواقف دائما فى صف الحق، ومن وقف فى صف على فقد وقف مع الحق، والحق هو إرادة الله، واسم من أسمائه الحسنى ولما كان "عثمان بن عفان" خليفة على المسلمين، ذاق المسلمون مرارة التمييز بين "بنى أمية"ـ قوم عثمان ـ وغيرهم من المسلمين فى كل الأمصار، وجاء الغاضبون من الأمصار، وحاصروا بيت "عثمان" وقتلوه، لما عانوا من حكام أرسلهم إليهم ليقيموا العدل، فاغتروا بمناصبهم وقسوا على الناس وسرقوا أرزاقهم، وكلهم من "بنى أمية" وعلى الرغم من التقوى المشهود بها للخليفة عثمان رحمه الله إلا أنه كان يقرب أهله ويجرى عليهم الرواتب والأرزاق، وكان يوم مقتله عنيفا على المسلمين كافة، وكان الحسن والحسين شاهدين، ودافعا عن "ذى النورين"، ولكن "معاوية بن أبى سفيان" استغل الموقف لصالحه وصالح بنى أمية، ورفض مبايعة "الإمام على "، وعزل الإمام ـ كرم الله وجهه ـ معاوية "حاكم الشام "من قبل الخليفة المقتول "عثمان بن عفان" ونشأ الخلاف وتفجرت الحروب والمعارك بين المسلمين، وكان "عمار بن ياسر" مع الإمام على بن أبى طالب فى كل المواقف، وهو الذى شهد كل الغزوات مع الرسول، وشارك فى قتال مانعى الزكاة، فى زمن الخليفة أبى بكر الصديق، وقطعت أذنه فى معركة "اليمامة" التى قتل فيها عدو الله ورسوله "مسيلمة الكذاب" الذى ادعى النبوة، ولما تولى "عمر بن الخطاب اختار "عمار بن ياسر" ليتولى ولاية "الكوفة"، وعزله، وكان انحيازه إلى الإمام على أمرا طبيعيا، فمن كانت أمه "سمية" ـ أولى شهيدات المسلمين ـ فى وقت عصيب، قبل أن يقوى الإسلام ،ومن كان أبوه "ياسربن عامر" الذى كان تلقى صنوف العذاب فى مكة وقلبه مطمئن بالإيمان ، لا بد له من الهداية والوقوف فى صف الحق، والحق مع على، وكل من يعادى "على" هو منافق، وكان "عمار بن ياسر" يسمع ويرى ما بين النبى الأعظم والإمام ـ كرم الله وجهه ـ فاختار الوقوف فى معسكر الإمام، وبقى معه حتى قتلته الفئة الباغية فى موقعة "صفين".
ومن يتأمل تاريخ الإسلام يجده تاريخ صراع بين الحق والباطل، أراد الله أن يجعله درسا وعبرة، فمن مكة خرجت دعوة الإيمان محمولة على أرواح الفقراء والعبيد، وفاضت روح "سمية" ـ العبدة الفقيرة ـ لتكتب شهادة حياة لولدها "عماربن ياسر" الذى علمه مقتل أمه بأيدى أبى جهل أن ينحاز للمستضعفين وإمامهم "على" كرم الله وجهه، وكان الله عزوجل قد نصر عباده فى غزوة "بدر" وجعل مقتل "أبوجهل" على أيدى شابين صغيرين من المسلمين هما "معاذ" وشقيقه "معوذ" وهما من قبيلة "الخزرج"، وأجهز عليه "عبد الله بن مسعود" المنتمى إلى قبيلة "هذيل" وروى الصحابى "عبدالرحمن بن عوف" واقعة مقتل أبى جهل فقال:
"إنى لفى الصف يوم بدر، إذا ألتفت فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، قال لى أحدهما:ياعم أرنى أبا جهل، فقلت له يا ابن أخى ماذا تصنع به؟
قال:"عاهدت الله إن رأيته قتلته أو أموت دونه، وقتلاه" وبعدها قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر"قتل الله قاتل أمك".
أخبار ذات صلة
المزيد من ثقافة
قصة مصورة - رجاّلة وسقاّلة
سيبدو لك المشهد غريباً للوهلة الأولى، وربما تحتاج أن تدقق قليلاً قبل أن "تجمع " تفاصيله، لتكتشف أنك أمام غابة...
خيرى دومة: فرحتى لا توصف بـ«التقديرية» لأنها جائزة باسم بلدى
مسيرة علمية كبيرة وباذخة، وعطاءات متعددة في البحث العلمي والترجمة والنقد الأدبى، ومشاركة فاعلة في المشهد الأدبي والثقافي الراهن، كل...
أحمد الشهاوى: أنا ابن القلق.. والكتابة بنت التوتر
أنا حكاء بالفطرة.. والرواية ليست غريبة علىّ أعتبرت «الأهرام» دارًا للعمل.. وليست دارًا لشعرى «التقديرية» مسئولية كبيرة تتطلب منى سعيًا...
شلل الاختيار الأزمة المصاحبة للأسئلة السهلة
حين يقف العقل عاجزًا أمام البديهيات