محفوظ وقع مع الحكيم بيان الاحتجاج على حالة اللاحرب واللاسلم وخاضا معا معركة حصول ألفريد فرج على جائزة الدولة وعودة د. غالى شكرى للأهرام توفيق الحكيم يقترح عيد ميلاد نجيب محفوظ عيدًا للرواية العربية لأنه الذى أوصلها لبر الأمان وشيد لها بناءها الشامخ
هل أخطأ د. مصطفى الفقى المفكر ومدير مكتبة الإسكندرية، حين قال فى برنامج "يحدث فى مصر" للإعلامى شريف عامر إن توفيق الحكيم يستحق جائزة نوبل، مؤكدا أن هذا رأيه؟، فما هى المشكلة أن يستحق نوبل توفيق الحكيم وطه حسين وأحمد شوقى، هل يعنى ذلك أن نجيب محفوظ لا يستحقها؟، إن باب الفن واسع ولكن عقول الناس ضيقة، كما يقول توفيق الحكيم نفسه، فجائزة نوبل تتشرف بقامات مصرية، ولا يعنى عدم حصولهم عليها الانتقاص من قدرهم، حتى نجيب محفوظ نفسه حينما حصل على الجائزة العالمية لم ينس أن يقر لأساتذته باستحقاقهم لها، بل وأهداهم الجائزة التى حصل عليها مقرا بفضلهم عليه وعلى الأدب العربى، وذكر أسماء: توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد ويحيى حقى، وأكد فى أكثر من حديث له أنه كان سيكون فى حيرة ومأزق كبير إن كان قد حصل على نوبل وتوفيق الحكيم على قيد الحياة، حتى قال إنه ساعتها لن يجد حلا سوى الهروب من البلد، لشعوره وكأنه اغتصب الجائزة من أستاذه، فإذا كان هذا رأى نجيب محفوظ نفسه، فما بال المتعصبين – وليسوا المثقفين - غاضبين على د. مصطفى الفقى انتصارا لنجيب محفوظ، مع أن ما قاله الفقى هو ترديد لما قاله محفوظ قبل حوالى ربع قرن من الزمان، أما تبريرات الفقى لعدم حصول الحكيم على نوبل، لكتاباته الإسلامية، فهو اجتهاده الشخصى، ويمكن مناقشته.
أما ضيق الصدور بكل رأى يقال ولا يعجبنا، فتلك آفة المجتمعات التى لم يكتمل نضجها فكريا ونفسيا، مع أن الخالق نفسه سبحانه خالفته الملائكة حينما أخبرهم بخلق الإنسان نفسه (آدم)، فقالوا له فى قرآن يتلى ويتعبد به: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، فلم يضق الله بهم ويلعنهم ويطردهم من رحمته، بل أقنعهم بالحجة، بأفضلية آدم بالعلم: "وعلم آدم الأسماء كلها"، أما آن لنا أن ننشغل بنهضة بلادنا وترقيتها والخروج بها من أزماتها، بدلا من إهدار الوقت والجهد فى صغائر الأمور وتوافهها، إلا أن يكون ذلك مقصودا، لتظل بلادنا مشدودة إلى الوراء بدلا من تقدمها إلى الأمام؟، وبذلك نكفى أعداءنا ونقوم بما كان عليهم أن يقوموا به، تآمرا وعدوانا، فنقوم به نحن غفلة ونسيانا.
قبل أن يتصدى المغردون ويشمر الناشطون بمواقع التواصل الاجتماعى عن ساعدهم لتناول قضية كقضية استحقاق توفيق الحكيم لنوبل، باعتباره انتقاصا لنجيب محفوظ، وسحبا لنوبل منه، كان عليهم أولا أن يعرفوا نوع العلاقة بين كبيرين من رموزنا الفكرية والأدبية، ضربا لنا المثل والقدوة فى الصداقة الراقية، واعتراف كل منهما بفضل الآخر، وقد اقتربت من الحكيم ومحفوظ بما يمكننى أن أقول بكل حيدة وتجرد إنهما كانا الأقرب علاقة إنسانيا وأدبيا لبعضهما من أية علاقة أخرى فى الوسط الثقافى، وكثيرا ما كنت أدخل على توفيق الحكيم بمكتبه بالأهرام فأجد نجيب محفوظ يجلس بجواره ويتهامسان، حتى أن نجيب محفوظ كان متوافقا مع توفيق الحكيم فى كل مواقفه السياسية والأدبية، فقد كان محفوظ أول من وقع على بيان توفيق الحكيم بخصوص حالة اللاسلم واللاحرب التى كانت تعيشها مصر، وتحملا معا تبعات موقفهما، كما كان أيضا متفقا مع الحكيم على مسيرة مصر السلمية بعد انتصارها فى حرب أكتوبر، وكان متفهما لأحاديث الحكيم مع الله – والتى أثارت عليه ضجة كبرى - باعتبار أن ما فعله الحكيم – فى نظر محفوظ - له سوابق فى التراث الصوفى، ولكن لا أحد يقرأ، وحينما طلب الحكيم من محفوظ أن يقف معه فى المجلس الأعلى للفنون والآداب من أجل حصول الكاتب المسرحى ألفريد فرج على جائزة الدولة، وكان هناك اعتراض على منحها له، كما وافق محفوظ على رغبة الحكيم بكتابة مذكرة لإبراهيم نافع – رئيس مجلس إدارة الأهرام – لعودة د. غالى شكرى للكتابة.
أما رأى الكبيرين فى أدب الآخر، فهو يستحق التذكير به.. فقد قرأ كلاهما للآخر قبل أن يلتقيا، كان نجيب محفوظ طالبا بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة فؤاد الأول (القاهرة) حينما قرأ أول عمل أدبى للحكيم وهو "أهل الكهف"، فوجدها شيئا جديدا ورائعا، بحيث اعتبرها بداية جديدة للفن الأدبى العربى، وكان تأثيرها عليه كبيرا خاصة فى نتيجتها الأساسية (الزمن)، وإن كان محفوظ يعتبر نفسه كأديب قد خرج من "عودة الروح" التى كونته أدبيا، وكانت هى منطلقه إلى عالم الأدب والرواية باعترافه، حيث كانت هذه الرواية هى الرحم الذى ولد منه ليعيش فى الحارة المصرية بجوها الشعبى الذى كان الحكيم أول من صورها، فضلا عن تعبيره عن ثورة 1919، وهو ما عبر عنه أيضا محفوظ فى ثلاثيته الشهيرة، ولكن الفرق أن الحكيم جعل من الثورة ذروة عودة الروح، أما محفوظ فقد اهتم بالنتائج، مثل الإلحاح على مشاكل الفقر بين الجماهير، وتصوير التيارات الفكرية الجديدة التى انتهت بالصراع بين الإخوان والشيوعيين، وبينما ينهى الحكيم التنازع بين الأفراد بالتوافق فى أحضان الثورة، نجد محفوظ يجعل التماسك يعقبه الخلاف والانحلال وتدهور العمل السياسى نحو التفكك والفساد الذى ينتهى بالتبشير بمبادئ جديدة، ولا غرابة فى هذا، فكل من الحكيم ومحفوظ يمثلان جيلين مختلفين، أحدهما عاش ثورة 19 والآخر عاش انتكاساتها.
وبعد أن التقى محفوظ بالحكيم من خلال أدبه كان من الطبيعى أن يحدث اللقاء المباشر، خاصة بعد أن أخذ محفوظ يعرف طريقه إلى عالم الأدب، بل إن الحكيم نفسه كان هو أول من سعى لذلك اللقاء، فما أن صدرت "زقاق المدق" لمحفوظ حتى قرأها الحكيم وأعجب بها، ولما عرف أن لهما صديق مشترك هو محمد متولى الذى كان مديرا للأوبرا، أبدى له رغبته فى لقاء صاحب الرواية، وذهب متولى لمحفوظ وقال له: إن توفيق الحكيم يريد رؤيتك - وكانت سعادة محفوظ بالغة؛ فقد اعتبر ذلك جائزة كبرى، وكان انطباع الحكيم عن محفوظ -والذى لم يتغير أبدا- هو أن نجيب محفوظ: كريم النفس، نقى، ليس مغرورا، بل واثقا من نفسه، إنه شىء نادر من البساطة والتواضع، ولولا نجيب محفوظ، ما قامت للرواية العربية قائمة. بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك مطالبا بأن يكون عيد ميلاد نجيب محفوظ هو عيد الرواية العربية، وهو ما ذكره حتى فى أوراقه الخاصة مؤكدا ومكررا، حين كتب قائلا:
"من حظ الرواية أنها وجدت روائيا موهوبا كرس حياته كلها لها، لم يشرك فى الرواية أى نوع آخر، إلى أن جعل للرواية هذا البناء الشامخ، ولذلك إذا ذكرت الرواية ذكر نجيب محفوظ، وأقترح أن يكون للرواية عيد، وعيد الرواية هو عيد ميلاد نجيب محفوظ، هذا الروائى الموهوب المخلص للرواية وحدها هو نجيب محفوظ، دخل الشارع وإذا به بعد قليل قد شيد فيه العمارات الشاهقة، ونظم الأرصفة ووسع الشارع ووضع المصابيح، وتبعته أجيال نشيطة مخلصة، فإذا شارع الرواية قد أصبح من أهم شوارع الأدب اليوم، بفضل جهوده التى قصرها على الرواية وحدها، فإذا وضع لهذا الشارع اسم فلاشك عندى أن نتفق جميعا على أن يكون اسم شارع الرواية: نجيب محفوظ، بل إنى أقترح أكثر من ذلك وهو أن يكون للرواية عيد سنوى يكون يومه هو يوم عيد ميلاد نجيب محفوظ، لنطمئن جميعا على مستقبل الرواية بهذا العيد السنوى".
هذا هو رأى توفيق الحكيم فى نجيب محفوظ، ومنذ ذلك الحين تواصلت علاقتهما على المستوى الشخصى والإنسانى، وتواعدا على اللقاء بعد لقائهما الأول بقهوة "ريتز"، وحينما استقر محفوظ فى "الأهرام" بعد خروجه من وظيفته على المعاش، تجاور مكتباهما بالدور السادس، وكان محفوظ يذهب إلى مكتب الحكيم ويتحاوران فيما بينهما، بل إن انتقال محفوظ إلى مكتب الحكيم بعد رحيله، باقتراح من الأهرام ليتسنى له لقاء ضيوفه ووسائل الإعلام العربية والعالمية بعد حصوله على نوبل، نظرا لاتساع مكتب الحكيم، إلا أن محفوظ لم يسمح لنفسه أبدا بالجلوس على هذا المكتب، تقديرا واحتراما لمقامه العالى بالنسبة له قائلا: إن توفيق الحكيم هو زارعنا جميعا، أو كما يقول:
"هذا الكاتب الكبير يقف وراء جيلنا كله من الناحية الفنية، كان الحكيم ولا يزال النهر الدفاق الذى تتفرع عنه جداول كثيرة فى الرواية والقصة والمسرحية. لقد تتلمذت عليه، أثره فى حياتى فوق ما تتصور، ولولا توفيق الحكيم ما أصبحت أديبا، كنت أدرس الفلسفة وأعتبر الأدب على هامش حياتى، ولما دخل الحكيم من بوابة الأدب عرفنا قيمة الأدب وكيف أنه يكرم الإنسان، فقد ظهر الحكيم بلغة جديدة أفضل أن أسميها: لغة توفيق الحكيم، لأنها لغة خاصة به وحده لم يسبقه إليها أحد، فلغته عذبة وبسيطة وسلسة ومصرية، ومع ذلك فهى ابنة شرعية للتراث العربى. كان الحكيم من جيل موسوعى أثرى الحياة الثقافية والأدبية والفنية بإعطاء أمثلة فى كل شىء للفن كله: مسرح، رواية، قصة قصيرة، ومن كل هذه الأمثلة الأدبية والفنية التى أعطاها توفيق الحكيم خرج أدباء مصر الحديثة، فقد كان الحكيم هو الحلقة التى أكملت سلسلة الحلقات ما بين أدب العقاد وطه حسين وجيل ما بعد توفيق الحكيم. كنا نقرأ أعماله ونعتبره ظاهرة، لأنه أعاد خلق الفن العربى من جديد، كان الحكيم يشعل فينا الحماس والرغبة فى الإبداع، وكان تأثيره أكبر وأعمق من أن تعبر عنه الكلمات. لقد عدل الحكيم من نظرتنا للأشياء وأعاد رسم الحياة الثقافية فى مصر، كان هو معلمنا الحقيقى للأشكال الأدبية الحديثة. أنا تعلمت فى الجامعة: الفلسفة، ولكن تعلمت الأدب الحقيقى فى أدب توفيق الحكيم. ولأنه كان يعمل فى أسمى الهيئات وهى القضاء، فقد منح الأدب والفن الشرعية الاجتماعية، من ناحية كيف يشغل واحد وظيفة من أسمى الوظائف (وكيل نيابة) ثم يترك وظيفته وكل شىء من أجل أن يتخصص فى الأدب والرواية، لن ننسى للحكيم أنه الكاتب الأول الذى جعل الدولة تحترم الفن والأدب، وتخصص لها ما يسمى بالتفرغ. العقاد وتوفيق الحكيم وفرا علينا جهاد مائة سنة، لم يعد الأدب مهنة المرتزقة".
هذا هو رأى نجيب محفوظ الذى صرح به بعد رحيل توفيق الحكيم، ولم يكن مطلوبا منه أن يتحدث عنه بهذا الحماس الحاسم القاطع، إلا أن يكون صادقا فى تقييمه ومشاعره، فلم تكن ثمة مجاملة لرجل قد فارق دنيانا، ولهذا كان يكرر أن توفيق الحكيم "هرم تعلمنا منه" بقى أن نتعلم نحن من هؤلاء الكبار كيف نتحاور، وكيف يحتمل كل منا الآخر، ويحترم رأيه حتى لو كان مخالفا، ويرد عليه فكرة بفكرة، وحجة بحجة، بدلا من هذا "الهرى" الذى يستهلك وقتنا وجهدنا بغير طائل.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
غام الطريق، واشتد الصقيع، وشعر السائق أنه بحاجة لالتماس قدرٍ من الدفء بالتوقف عن الحركة التى توقظ صقيع رياح الشتاء
يأتى شهر رمضان حاملا معه الفرحة للجميع، صغارا وكبارا، ولكل منا ذكرياته المرتبطة بهذا الشهر، إلى جانب بعض طقوسه الخاصة،
السيدة خديجة بنت خويلد، أولى زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأول امرأة تصلى خلفه، وتدعمه فى اليوم الأول...
فى نهايات الستينيات، كتب رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة "الكواكب" مقالا ينتقد فيه المطربة الكبيرة فايزة أحمد، ويعتب عليها لرفضها