جاهين والكيلانى شخصيتا المعرض.. والأردن ضيف الشرف الاهتمام بتكريم كامل كيلانى هل يجور على حق رواد آخرين لأدب الطفل؟
قبل أيام من افتتاح الدورة الرابعة والخمسين لـ "معرض القاهرة الدولى للكتاب" والمقامة فى "مركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية" بالتجمع الخامس (الخميس المقبل)، يدخل أهم القائمين على هذه الدورة فى امتحان عصيب، لا بسبب إقامته على أطراف القاهرة الجديدة بما أثر على حضوره وأنشطته وفعالياته، وهو المكان الذى انتقل إليه المعرض منذ 4 دورات سابقة، بل بسبب أن اثنين من أهم قادة الوزارة المشرفة على المعرض ـ أقصد وزارة الثقافةـ وهما الوزيرة الدكتورة نيفين الكيلانى شخصيا وكذلك رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب بالإنابة، الدكتور أحمد بهى الدين العساسى، كونهما يعيشان تجربة الإشراف على المعرض لأول مرة فى منصبيهما، والمعروف أن أول امتحان يمر به وزير الثقافة خلال العقود السابقة كان دائما هو امتحان النجاح أو الفشل فى إقامة دورة "معرض القاهرة الدولى للكتاب"، أهم حدث ثقافى فى مصر، وإذا تصادف مرة أن يكون وزير الثقافة جديدا فى منصبه يُستحسَن أن يتولى إدارة الهيئة أثناء انعقاد المعرض رئيس متمرس ـ على الأقل ـ ليس جديدا فى منصبه، وهنا تكمن صعوبة الامتحان هذه المرة.
نحن طبعا نؤمن بقدرات "العساسى"، فقد عمل نائبا لرئيس الهيئة السابق الدكتور هيثم الحاج على لفترة، مثلما نعرف أن الكوادر القيادية فى الهيئة والعاملين فى الوزارة قطعوا شوطا متميزا فى تقديم دورات سابقة مشهرة النجاح، خصوصا خلال فترة من قبل كورونا، حين تجاوز زوار المعرض خمسة ملايين زائر، وكلنا يعرف أن هؤلاء العاملين أنفسهم وتلك القيادات ذاتها سوف يقدمون دورة متألقة لمعرض القاهرة للكتاب تليق بأهم معارض الكتاب فى الوطن العربى.
قلنا مرارا إن أهمية معرض القاهرة للكتاب لا تأتى أصلا من كونه أقدم معرض كتاب فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية حيث اطلق عام 1969، بل تأتى أهميته من كونه المعرض الأكثر زوارا فى المنطقة، فقد ظهرت العديد من معارض الكتب فى دول الخليج الشقيقة العراق والكويت على سبيل المثال، لكنها لم تكن تستطيع أن تنافس معرض القاهرة فى العنصر البشرى من الزوار والمستهدفين فعلا من المعرض، بما يعنى أن أهمية معرض القاهرة للكتاب تأتى من أهمية القراءة بالنسبة للشعب المصرى.
تأتى أهمية الدورة الجديدة للمعرض أيضا من أنها تنعقد بعدما زالت غمة الوباء، تلك الغمة التى أثبتت أن القراءة لم تعد ترفا فى هذا العصر، وأن القراءة أصبحت زادا خصبا ومهما لتنقية الروح وتزكية النفس الإنسانية فى المجتمعات الحديثة، فالقراء الذين يتحصنون بالشعر والقصة والرواية والمسرح والغناء والفن التشكيلى أكثر قدرة على مقاومة الأوبئة، وقد عشنا تجربة مرة لم تُمح ذكراها بعد من أذهاننا، فقبل عامين اثنين فقط لم تجد البشرية ما تفعله فى مواجهة الوباء إلا القراءة، حيث توقفت الحياة بفعل الإجراءات الاحترازية لمواجهة "كورونا" فى أغلب المدن الكبرى فى العالم، وحين توقفت أدخنة المصانع وامتنعت المواصلات العامة عن إطلاق الأدخنة وأغلقت المعاهد والمسارح ودور العرض السينمائى والجامعات أبوابها بقيت الكتب هى التسلية الوحيدة القادرة على تقديم الخلاص من جنون العزلة.
للتدليل على أهمية القراءة للمواطن المصرى بالتحديد، أورد ما رددته وسائل إعلام أجنبية من انبهار بحجم الإقبال على سفينة الكتب "المكتبة العائمة" لوغوس هوب، التى جذبت آلاف المصريين إليها منذ رسوها فى ميناء بورسعيد فى الرابع من يناير الجارى، فخلال الأيام الثلاثة الأولى من فتح أبوابها، قدم إلى السفينة 18 ألف زائر، بعضهم جاء من محافظات بعيدة واضطر بعضهم إلى الانتظار أسبوعا فى بورسعيد لحضور افتتاح السفينة، بينما كان الإقبال على السفينة ذاتها محدودا فى كثير من موانئ العالم التى توقفت فيها تلك المكتبة العائمة.
استعدادات المعرض
كانت اللجنة العليا المشرفة على أنشطة المعرض قد أقرت أن تبدأ فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى ينطلق يوم الأربعاء 25 يناير الجارى، تحت شعار "الثقافة وبناء الوعى"، على أن يقتصر الدخول على أصحاب الدعوات من رجال الأعمال والناشرين والمهتمين بصناعة الكتابة، بينما يفتح معرض القاهرة الدولى للكتاب أبوابه للجمهور يوم الخميس 26 يناير، حيث تم تخصيص أتوبيسات نقل عام إلى مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية مباشرة من ميادين القاهرة الكبرى تسهيلًا على الجمهور، على أن يستمر العمل من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثامنة مساءً، باستثناء يومى الخميس والجمعة يستمر حتى التاسعة مساء.
إلى ذلك، تشهد الدورة الـ 54 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب زيادة فى عدد دور النشر المشاركة هذا العام، لموافقة الهيئة على مشاركة جميع دور النشر التى تقدمت للاشتراك فى المعرض، فضلا عن تخصيص جناح فى المعرض لدور النشر الصغيرة التى ليس لها إصدارات تناسب الاشتراك فى معرض الكتاب 2023، تأكيدًا لدعم صناعة النشر.
يشار إلى أنه يمكنُ حجزُ تذاكر المعرض عن طريق الإنترنت من خلال الدخول على الموقع الإلكترونى لمعرض الكتاب واختيار حجز تذاكر أونلاين، ثم كتابة البيانات الكاملة للراغب فى الحصول على تذكرة، وكتابةُ البريد الإلكترونى ورقم الهاتف المحمول وتحديد عدد التذاكر المراد حجزُها، ثم اختيار طريقةِ دفع التذاكر أونلاين عن طريق كريدت كارد أو خدمات كاش.
من جهتها اختارت اللجنة العليا لمعرض الكتاب الشاعر المصرى صلاح جاهين ليكون شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب 2023، وتم اختيار كاتب الأطفال الراحل كامل كيلانى كشخصية معرض الطفل، كونه أحد رواد أدب الطفل فى العالم العربى، بينما اختارت المملكة الأردنية لتكون ضيف شرف الدورة الجديدة.
جاء اختيار الشاعر ورسام الكاريكاتير والسيناريست صلاح جاهين "الشخصية الثقافية" لمعرض القاهرة للكتاب هذا العام بعد 37 سنة من رحيله، حيث ولد الفنان متعدد المواهب والوجوه عام 1930 وتوفى عام 1986، تاركا ذلك التراث الفنى المتنوع من العمل مع أساطين الفن من أغنيات عبدالحليم حافظ وأم كلثوم إلى مشاركاته فى الأعمال السينمائية مؤلفا وكاتبا للسيناريو والحوار وكاتبا للأغانى وممثلا، فضلا عن عمله فى صحيفة الأهرام كرسام للكاريكاتير، بالإضافة إلى كونه شاعرا يكتب قصيدة العامية المصرية بنفس شعرى جديد، مقدما واحدا من التجارب الشعرية الخالدة فى الذاكرة المصرية، من رباعيات صلاح جاهين ذات الحس الفلسفى إلى القصيدة المحبة لمصر والتى لا تنسى بعنوان "على اسم مصر":
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب
وبحبها وهى مرمية جريحة حرب
بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
وأكرهها وألعن أبوها بعشق زى الداء
وأسيبها وأطفش فى درب وتبقى هى ف درب
وتلتفت تلاقينى جنبها فى الكرب
والنبض ينفض عروقى بألف نغمة وضرب.
على اسم مصر".
جدل حول كيلانى
من بين الأمور التى يجدر الحديث عنها أيضا فى هذا السياق، وتطل برأسها خلال دورة هذا المعرض هو الإجابة عن السؤال الذى حير الوسط الثقافى المصرى منذ صدور قرار التعديل الوزارى الأخير منتصف أغسطس 2022 وطرح فيه اسم الدكتورة نيفين وهو: هل تنتمى الوزيرةـ التى تولت منصب عميد "المعهد العالى للنقد الفنى" ـ لأسرة الكاتب الراحل كامل الكيلانى كما هو واضح من لقب العائلة؟.. وهل لكل ذلك علاقة بطرح اسم الكيلانى بعد رحيله بحوالى أكثر من ستة عقود كشخصية معرض الطفل عام 2023؟.
حتى لو حاولت أن تستفسر من المحيطين بالوزيرة لن تصل إلى إجابة شافية عن هذا السؤال، وهذا حق لكل مسئول ألا يفصح عن أفراد عائلته، لكن العين المتابعة لمجريات الأمور تستطيع أن تلحظ التصاعد السريع فى الاهتمام باسم كاتب الأطفال كامل الكيلانى (1897- 1959) داخل أروقة الوزارة منذ تولى الدكتورة نيفين منصبها، حيث بات الكثيرون يعتقدون أن الكيلانى هو الأحق بلقب رائد "أدب الطفل" فى مصر، من رواد آخرين مثل يوسف الشارونى أو عبدالتواب يوسف، خصوصا أن الكيلانى سبقهم بسنوات طويلة.
لا أعتقد أنها من قبيل الصدفة أن تعين الوزيرة فى أغسطس 2022 ثم بعد أربعة أشهر ـ تحديدا فى منتصف ديسمبر ـ يظهر "ملتقى كامل كيلانى الأول لأدب الطفل"، فى أروقة المجلس الأعلى للثقافة، وفى هذا الملتقى تم افتتاح معرض لكتب وأعمال كامل الكيلانى فى بهو المجلس، كما لا أعتقد أنها من قبيل الصدفة أن يتم الإعلان ـ فى ملتقى الكيلانى ذاته ـ عن جائزة مالية ضخمة باسم كامل كيلانى فى "أدب الطفل"، تقارب "جائزة الدولة للتفوق" من حيث قيمتها المادية "100" ألف جنيه، إذ حصلت عليها لأول مرة الكاتبة فاطمة المعدول على جائزة أدب كتب الأطفال، وحصدت الفنانة سمر محمد صلاح الدين جائزة رسوم كتب الأطفال، وكل ذلك تم فى ديسمبر الماضى، إلى أن أطل اسم الكيلانى فى مكانة متميزة من معرض القاهرة الدولى للكتاب.
الحق أن حجم الإنجاز الذى قدمه كامل الكيلانى وأسبقيته الزمنية ترشحانه ليكون أيقونة لأدب الأطفال من دون شك، فقد ألّف المئات من قصص الأطفال منها: أرانب فى القمر، أبو صير وأبو قير، جبارة الغابة، أبو خربوش، ريحان الكذاب، سفروت الحطاب، شبكة الموت، شهرزاد بنت الوزير، صراع الأخوين، أبو الحسن، أسرار عمار، جحا والبخلاء، أصدقاء الربيع، جلفر فى بلاد العمالقة، الأرنب العاصى، وغيرها الكثير، كما أنه يعتبر أول من وجه اهتمامه إلى فن أدب الأطفال عام 1927، ودأب على تحقيق الفكرة التى آمن بها وهى إنشاء مكتبة الأطفال تعتنى بهم من بدايات القراءة والتعليم وحتى الدراسة الجامعية، وكان هو أول من خاطب الأطفال عبر الإذاعة المصرية، كما كان أول مؤسس لمكتبة الأطفال فى مصر.
ونحن نصدق ما قاله محمد ناصف رئيس المركز القومى لثقافة الطفل مشيرا إلى أسبقية كيلانى حين قال: "حين كان الأدباء والشعراء والكتاب يتدثرون بأحلامهم فى بدايات القرن العشرين كان الأستاذ كامل كيلانى رائد أدب الطفل فى عشرينيات القرن الماضى يتدثر بأحلام أطفالنا وقلوبنا التى تمشى على الأرض وينشئ لهم أول مكتبة لكتب الطفل فى مصر فى القاهرة، ويكتب لهم أيضا أول قصة رشيقة هى أبوخربوش سلطان القرود وتوالت بعدها مئات القصص التى اختصت لنفسها سمة وأسلوبا متفردًا وقتها".
ختاما ما أريد قوله هو أن استحقاق الكاتب الراحل للتكريم بعد سنوات من الغياب لا يجب أن يتم على نحو كاسح بحيث يجور على حقوق رواد آخرين من أجل تكريس اسم رائد واحد فى مجال شهد مواهب عديدة، فالحق أن الدولة يجب أن تحتفى دائما وأبدا بكل مستحقى الاحتفاء وبالرواد المؤسسين فى كل المجالات لا برائد واحد.
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
غام الطريق، واشتد الصقيع، وشعر السائق أنه بحاجة لالتماس قدرٍ من الدفء بالتوقف عن الحركة التى توقظ صقيع رياح الشتاء
يأتى شهر رمضان حاملا معه الفرحة للجميع، صغارا وكبارا، ولكل منا ذكرياته المرتبطة بهذا الشهر، إلى جانب بعض طقوسه الخاصة،
السيدة خديجة بنت خويلد، أولى زوجات النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأول امرأة تصلى خلفه، وتدعمه فى اليوم الأول...
فى نهايات الستينيات، كتب رجاء النقاش رئيس تحرير مجلة "الكواكب" مقالا ينتقد فيه المطربة الكبيرة فايزة أحمد، ويعتب عليها لرفضها