حين تقتني ديوان "البيوت الصغيرة" للشاعر أمجد ريان أحمله برفق وأصغ لنبض حرفه ،فإن كل حرف يحمل في طياته تجربة إنسانية مبصرة، وترفق بتلك البيوت
حين تقتني ديوان "البيوت الصغيرة" للشاعر أمجد ريان أحمله برفق وأصغ لنبض حرفه ،فإن كل حرف يحمل في
طياته تجربة إنسانية مبصرة، وترفق بتلك البيوت الصغيرة فإنها أماكن في القلب .
أمجد ريان في هدا الديوان أشبه بعازف على أوتار الإنسانية بأسرها في سيمفونية /تيمة امتدت من القصيدة الأولى
حتى نهاية الديوان ، نفس شعري واحد تلوح وحدته من خلال تناغم صوره .
إن تفقدك البيوت الصغيرة يأسرك داخل نوستاليجا تبصر المستقبل وتعاني قسوة الواقع ووحشيته ،كل ذلك كي تلج
إلى دائرة الإنسان التى خلع عليها الشاعر وصف المتاهة/الدوامة/الطاحونة .
ولهذا لم تخل قصيدة من قصائد الديوان تقريبا من استحضار الأزمنة الثلاثة "ا لماضي ، الحاضر ، المستقبل" فالتداعي
الدلالي ألقى بظلاله على معظم قصائد الديوان بداية من عناوين القصائد ؛ فاللحظة الآنية تستدعي بيتاً /مكاناً صغيراً
بالقلب مستبصرة المستقبل، متحلية بشفافية الاستبطان ، و معبرة عن بصيرة الشاعرة النافذة لاستشراف المستقبل .
تلمس الشاعر دوامة الحياة/متاهتها/حركتها الدائرية في مفردات واقعه،بداية من شكل عجلة القيادة وكأنها المثير والبعث الخفي لفكرة التحليق في دوامات اكثر عمقا واتساعا :
"........................
أما أناأظل منتبه الحواس
أراقب الدريسكسيون
والحركة فوق الأسفلت
بينما يحيط السراب بالأفق"
والحركة هى الحياة ،وحركة عجلة القيادة هى استمرار لدائرتها،وسكونها وثباتها هو إعلان عن وفاة الإنسان وخروجه من محيط الدائرة/الحياة.
"في السيارة المركونة مند يومين
وجدوا السائق ميتا
وأصابعه ممدودة بعقب سيجارة
داخل المطفأة" ص 18
دوائر الواقع التى تحيط بالشاعر تدفعه للولوج إلى دوامته الفلسفية التى تبدأ بالنظر إلى أبسط مفردات الواقع لتنطلق محملة بأسئلة وجودية كبرى.
ولكن هل حقا الدنيا متاهة أم أن رغبة الامتلاك لدى الإنسان هى التى أدخلته في دوامتهاحتى يحيط نفسه برفاهية مزعومة وباطنه حائرمن كثرة الدوران لكى يحظى بالسعادة أو يحققها لمن حوله :
" يرتبط الدريكسيون بمقدمة السيارة
ويرتبط بلا وعي الأصابع والكفين
وقد جعلوا"الدريكسيون "مستديرا
حتى ترمز دائرته الكاملة للجهات الأربعة
وكأن الإنسان يريد أن يمتلك الجهات جميعا " ص 26
هده الدوائر /الدوامات هى الطواحين التى يُربط فيها الإنسان ليظل أسيرا لمفردات واقعه القاسية،تلك المفردات التى يعاينها بمخالطة الواقع وهوأحد أفراده،أو من شباك شقته .
فالشباك في هدا الديوان رمز ارتبط بكل مشاهد القسوة التى تمتهن الإنسان وتصف حال بؤسه.
"شبابيك شقتي
تطل على مآسي الشارع العريض .
الصياح ،والكلاكسات ،والعابرين العفويين
والمآسي تشبه الطواحين التى
لا تتوقف عن الدوران" ص 91
الطواحين والدوامات في دورانها تجذب إليها أفراداً وجماعات ليزداد الفقير فقراً وتزداد الرأسمالية تغولاً وتوحشاً ....ويتسع
محيط الدائرة................
"ببطء اجعلينا ندخل الحديقة
هادئين مبتسمين
الشمس حانية على منحدر الشجر
وهناك : ثمانية أسود
تدفع الماء من أفواهها
حول دائرة واسعة
دائرة تظل تتسع
حتى تبتلع الكون " ص 88
آلام الإنسانية واحدة تتوزع هنا وهناك ،تمتد آهاتها وتتسع ويتسع معها محيط دائرة الحياة لتشكل سياجا قاسيا يلف البشر ثم
يخر الكون صريعا بأكمله.
يبدأ الديوان بحالة من التداعى الدلالى ،فعندما يحتدم الصراع مع الواقع ويشعر المرء بالتيه داخل دوامته يفر لحجرة
الذكريات ،تلك الحجرة التى نحرك من خلال ولوجنا فيها ذلك الفرح الدفين الساكن في أركانها و المحاط ببراءة مشاعر
الطفولة ،مستمدين طاقة إيجابية نؤكد بها لأنفسنا أن الحياة بها ما يستحق العيش لنواصل الركض .
ومن هنا يأتي وسم قصيدته الأولى "البيوت الصغيرة" :
" كانت المسألة مع صديقاتي
تصل بنا في بعض الأمسيات
لعمل بيوت صغيرة من وسائد" الدكة"
بيوت حقيقية :
أمثل فيها أنا دور الأب ،
وتمثل أجمل طفلة فيهن دور الأم
وكنت بالفعل أضمها إلى صدري
بكل ماأملك من عاطفة وحنان" ص 9
استمر البحث عن مشاعر الحب والدفء عبر مراحل مختلفة من العمر :
"قصص الحب
في البيوت القديمة أيضا
حيث الفتيات البريئات
بوجوه مليئة وب"توكة"
وبصدور نصف ممتلئة،
وكنا نتحايل حتى نحصل على نظرة واحدة" ص41
المرأة صاحبة قدرات فائقة في هدا الديوان"تتلاقى عندك كل الحدود"كما كررها في قصيدته "أختام الليل"فهى القروية والمثقفةووربة المنزل وخصوبة الحياة وهى رمز النضال في تاريخنا ،المرأة لدى الشاعر هى معركة السؤال لا الإجابة،فالسؤال قلق وريب وحركة،أما الإجابة تحمل معها بعض السكينة والدعة .
اقترنت الطفولة في الديوان بضوء النهار وصحبة الجدة واللعب مع شعاع الشمس الرامز لمسار المستقبل ،شعاع يتحكم الشاعر في مساره ،قبل أن تتحكم فيه دوامة الحياة :
"كنت أحب في الطفولة
أن أتحكم في تحريك الضلفة الزجاجية
حتى يجري شعاع الشمس زاحفا
من فوق السرير إلى الشيفونيرة
وكأنني أتحكم في قطعة من الطبيعة" ص62
استمر استدعاء رمز الشمس في الديوان للتفاؤل بما هوآت،فمتى تنهزم عزيمة الشاعر تصر الشمس على مؤازرة رغبته في غد أفضل:
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
الصورة الشعرية في الشعر العامي ، ترتكز على الانزياح الفني ، لاسيما في قصيدة النثر العامية ؛ لأنها تهتم بتحقق...
كم شغلت حقيقة الموتِ الفلاسفة، ومضتْ تؤرقُ مجاز الشعراء على مختلف العصورِ، فتحدثَ الشعراءُ عن الموت كمعادلٍ للفقدِ في معظم...
حين تقتني ديوان "البيوت الصغيرة" للشاعر أمجد ريان أحمله برفق وأصغ لنبض حرفه ،فإن كل حرف يحمل في طياته تجربة...
في مجموعة قصائد "تفسر أعضاءها للوقت " ينتقل وليد علاء الدين إلى الضفة الأخرى "قصيدة النثر" الصريحة إلى حد بعيد...