المقهى الدبلوماسي.. حنين الشهر الكريم..وأوجاع السودان

ومثلما جاء رمضان ..انقضى.. وجاء العيد وانتهى.. وعادت الأيام لرتابتها المعتادة.. فما أن يأتي الصباح.. فنتمنى قدوم الليل.. حتى ينقضي اليوم مسرعا.. وما أن يجيء الليل.. أغمضنا عيوننا سريعا في انتظار اليوم الجديد.. ويمر اليوم تلو اليوم.. وتسير الحياة بخطاها المثقلة بأعباء البشر.. فما زال القلب الحزين.. ينتظر فرحته.. وما زالت النفس المنكسرة.. تفتش عمن يجبر خاطرها.. وعبرات القائمين تشق سكون الليل تناجي قاضي الحاجات ومجيب دعوة المضطرين.. سائلين الله أن يبلغنا رمضان ونحن في أسعد وأحسن حال..

وفيما أنا في عالمي النوراني أسبح بين الذكريات الإيمانية.. شعرت بيد تهزني.. وصوت يقول.. خللي بالك القهوة هتقع من إيدك.. وفتحت عيني لأجد قهوتي الفرنسية تكاد تقع من يدي.. فاعتدلت في جلستي على مقهاي الدبلوماسي.. وتشبثت بقهوتي الفرنسية .. وأخذت منها رشفة اعادتني للوجود من جديد.. فابتسمت لصديقي العزيز وشكرته.. وسألته.. أخبارك إيه.. فقال.. في صوت يخالطه الحزن.. الحمد لله.. فقلت له.. مالك فيه إيه.. فقال.. زعلان يا أخي.. هو إيه اللي بيحصل في السودان ده.. دا احنا طول عمرنا والسودان شئ واحد..

فأخرجت من صدري زفرة عميقة.. وقلت له.. والله معاك حق.. طول عمرنا احنا والسودان شئ واحد.. إيه رأيك أحكي لك الحكاية من البداية..

وبعيدا عن أن الحدود المصرية السودانية حوالي 1273كم.. وإن السودان هي العمق الإستراتيجى الجنوبي لمصر.. وإن أمن السودان واستقراره جزء من الأمن القومي المصري.. أنا هارجع بيك لأول الحدوتة.. لقبل الميلاد..

"حجر باليرمو".. اللي هو أقدم وثيقة مصرية تاريخية تركها المصريون القدماء.. جاء فيه أن الملك «سنفرو» من الأسرة الثالثة «سنة 2900 قبل الميلاد» غزا بلاد النوبة.. وأسر سبعة آلاف من الرجال والنساء...

وفي عهد الملك «بيبي الأول» من الأسرة الثالثة «سنة 2600 قبل الميلاد»، جنَّدت مصر من السودان جيشًا لإخضاع بعض القبائل العاصية في شرقي السودان.. وكان السودان في عهد الأسرة الثانية عشرة تحت حكم المصريين.. وكان الجيش المصري حافظًا النظام فيه

في عهد الأسرة الثامنة عشرة.. فقد وصلت حدود مصر في السودان إلى النيل الأزرق.. وذلك في عهد القائد «أحمس» الذي طرد العمالقة من مصر..

عين ملك مصر «أمنمحات الأول» ابنه «تحتمس الأول» حاكمًا عامًّا على السودان، ثم لقَّبه بأمير كوش؛ و«كوش» هو الإقليم المعروف الآن بإيتيوبيا، وكان محل إقامته في «النوبة»، وكان يجيء إلى مصر أحيانًا، وقسَّم البلاد التي بين الشلال الأول والنيل الأزرق إلى مديريات أو أقاليم، يدير شئون كل منها حاكم مصري تابع لأمير كوش، وأصبحت البلاد السودانية إلى النيل الأزرق جزءًا من مصر، تسود فيه النظم الإدارية والسياسة المصرية.

بعد كده أصبح «تحتمس الأول» ملكًا لمصر «سنة 1557 قبل الميلاد»، وأرسل جيشًا كبيرًا وأسطولًا نهريًّا هزم القبائل السودانية المتمردة، وأجبرها على دفع الجزية لمصر.. يعني السودان كانت تابعة لمصر من قبل الميلاد من أيام أجدادنا قدماء المصريين..

وفي العصر الحديث.. في عام 1820.. فتح محمد علي السودان.. لأنه لم يكن ليغفل عن اهمية السودان الحيوية لمصر.. وفي 1951، لقب الملك فاروق بلقب "ملك مصر والسودان"

وفي التسعينات.. تفاقمت أزمة النظام السوداني وازدادت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءا في السودان كما وصلت الأوضاع السياسية إلى وضع حرج خاصة بعد الإعلان عن تكوين تحالف المعارضة السودانية وإعلانها استخدام الخيار العسكرى كأداة لإسقاط النظام السودانى .. ولكن القيادة المصرية وقتها رأت أن ما يحدث في السودان هو شأن داخلى بين المعارضة السودانية والحكومة السودانية، وأنه يتعين على النظام السودانى أن يصل إلى حل لهذه المشكلة من خلال التفاوض.. وأن مصر حريصة على عدم التدخل في الشئون الداخلية السياسية في السودان، كما أنها حريصة على عدم تدخل أى أطراف خارجية أخرى في الشئون السودانية

ومع مطلع الألفية الجديدة بدأت العلاقات المصرية السودانية في التحسن، بعد خروج حسن الترابي من الحكم، اكتسبت العلاقات المصرية السودانية دفعة قوية عبر الزيارة الخاطفة اللي قام بها الرئيس السابق مبارك للخرطوم في الأول من مايو 2003، بعد فترة انقطاع طويلة دامت أكثر من 13 عاما..

أطلقت عملية التسوية السياسية للحرب الأهلية في جنوب السودان التي تجسدت في توقيع نيفاشا 4 في يناير 2005، موجة هائلة من التفاعلات داخل السودان.. وبعدها.. أوشك الجنوب على الانفصال، ومن ثم سينقسم السودان إلى دولتين شمالية وجنوبية..

وفي 9 يوليو 2011، ظهرت دولتان جديدتان إلى الوجود من خلال انقسام أكبر بلد افريقي إلى دولتين: دولة السودان الأصغر حجما.. ومعظمها من العرب والمسلمين.. وتحكم من العاصمة القديمة الخرطوم.. ودولة جنوب السودان وهي تتشكل أساسا من الأفارقة السود والمسيحيين.. وعاصمتها جوبا..

الرئيس عبد الفتاح السيسي قام بزيارات عديدة للسودان..في 27 يوليو 2014.. وفي 23 مارس 2015.. وفي 2 يوليو 2015.. وفي 10 أكتوبر 2016.. وفي يوليو 2018.. وفي 24 أكتوبر 2018، وفي أوائل شهر مارس 2021 ..التقى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك

وكانت آخر زيارة للرئيس السيسي إلى السودان كانت قبيل ساعات من انقلاب أكتوبر 2021.. ففي 25 أكتوبر 2021.. قام الجيش السوداني بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" بانقلاب ضد الحكومة المدنية.. واعتُقل ما لا يقل عن خمسة من كبار الشخصيات في الحكومة السودانية.. بمن فيهم رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك..

فالأزمة في السودان تكمن بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي.. وما تعرف بقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة، اللذين كانا يمثلان كيانا واحدا أمام القوى المدنية في المرحلة التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير

وبالرغم من ذلك.. لم تنقطع المساعدات المصرية لاخواننا في السودان.. ففي 5 سبتمبر 2021 ، وصلت إلى مطار الخرطوم الدولي طائرتان مصريتان تحملان كميات من مواد الإيواء والأدوية والأجهزة الطبية، في مستهل جسر جوي يتواصل حتى يوم الخميس المقبل، ويتكون من 9 طائرات.. وفي 4 أغسطس 2022 ، تسلمت جمهورية السودان أولى شحنات المساعدات المصرية، التي تبلغ 174 طنا من الأدوية، والأمصال المضادة للجفاف، والأغذية، والأغطية، والخيام، والتي سيتوالى وصولها على مدى الأسبوعين المقبلين، في إطار فعاليات الجسر الجوي المصري للسودان.. وفي 5 سبتمبر 2022، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتقديم كل سبل الدعم الممكنة إلى الشعب السوداني الشقيق، في ظل تداعيات أزمة السيول التي اجتاحت عددا من المناطق في جمهورية السودان، وبدأت أجهزة الدولة المصرية على الفور بتسيير جسر بري يحتوي على مواد غذائية وأدوية بإجمالي 90 شاحنة..

ومؤخرا..أكد المتحدث العسكري المصري غريب عبد الحافظ أنه في إطار تواجد قوات مصرية مشتركة لإجراء تدريبات مع نظرائهم في السودان..أنه يجري التنسيق مع الجهات المعنية في السودان لضمان تأمين القوات المصرية.. وفي مساء 19 أبريل 2023 وصلت الدفعة الأولى من العسكريين المصريين المحتجزين في السودان إلى القاهرة..

وفي 20 ابريل.. أعلنت جمهورية مصر العربية نجاح الجهود التي قامت بها بالتنسيق والتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لتأمين سلامة باقى الجنود المصريين المتواجدين في جمهورية السودان لدى قوات الدعم السريع وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم..

وحتى امس 30 أبريل.. صرح السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، بأن خطة إجلاء المواطنين المصريين المتواجدين في السودان أسفرت عن إجلاء 6960 مواطناً مصرياً حتى تاريخه..
وهنا.. قام صديقي وهو يضرب كفا بكف.. وهو يقول.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
وللحديث بقية..

لمزيد من المقالات

المقهى الدبلوماسي.. ليلة القدر.. ونزول القرآن

Katen Doe

حمودة كامل

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل
حمودة كامل

المزيد من مقالات

المقهى الدبلوماسي.. المولد النبوي الشريف

شهر ربيع الأول هو الشهر الثالث من السنة الهجرية.. سمي بذلك لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الاسم..وفيه ولد...

المقهى الدبلوماسي.. السلام والديمقراطية

تضم الأجندة الدولية العديد من الأيام التي يحتفل فيها العالم بمناسبات وأحداث وكيانات ويجعل لها أياما دولية وعالمية للاحتفال بها...

المقهى الدبلوماسي.. شهر "نسيء" .. وقمة العشرين

اليوم الإثنين 11 سبتمبر.. 26 صفر.. 6 نسيء.. وهنا توقفت عند هذا الشهر القبطي الغريب.. فهو أصغر شهر على الإطلاق.....

المقهى الدبلوماسي.. "البهرة"..؟

منذ أكثر من ثلاثين عاما.. وأنا في أخر سنوات دراستي الجامعية.. كنت أعيش في حي الحسين.. وتحديدا في شارع الخرنفش...