وأنا أتدبر ما ورد من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية عن فضل شهر شعبان بشكل عام وفضل ليلة النصف من شعبان بشكل خاص.. وعملية تحويل القبلة من المسجد الأقصى للمسجد الحرام.. فشهر شعبان وليلة النصف من شعبان لهما فضل.. وليس هناك نص يمنع ذلك.. وبعيدا عن ضعف بعض الأحاديث.. إلا أنني توقفت كثيرا عند عدة أمور..
أولها.. كيف أن علاقة الإنسان بغيره يمكن أن تؤثر على علاقته بربه.. فنجد أن بعض الأحاديث ذكرت انه فيما معناه.. ان الله يغفر للكثيرين في هذه الليلة ويستثني منهم بعض الطوائف.. من يارب.. المتشاحنين.. المتخاصمين.. أهل الحقد.. اهل النفاق.. فكانت هذه الصفات سببا في عدم نزول رحمة الله ومغفرته على هؤلاء..واما الأمر الثاني.. فهو عملية تحويل القبلة .. وسواء تمت في شهر شعبان أو شهر اخر.. إلا ان الله اراد من هذه العملية توصيل عدد من الرسائل ليفطن لها الناس جيدا.. والأمر الآخر.. هو موضوع رفع الأعمال.. وهل ترفع في شعبان .. أم ترفع في يومي الإثنين والخميس.. بحسب اختلاف الروايات..
وهنا توقفت عن التفكير.. وأخذت رشفة من قهوتي الفرنسية.. وأنا أستمتع بالجلوس في المقهى الدبلوماسي.. وعدت لأبدأ بحديث أمنا عائشة رضي الله عنها.. "قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبِضَ، فَلَمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: “يا عائشة ـ أو يا حُميراء ـ ظننت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خَاسَ بك”؟ أي لم يعطك حقك.. قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَ لطول سجودك، فقال: “أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه”؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال “هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم” رواه البيهقي..
والحديث الذي رواه أحمد والطبراني "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثرمن شَعْرِ غَنَمِ بني كلب، وهي قبيلة فيها غنم كثير"..
وروى ابن ماجة في سننه عن علي ـ رضي الله عنه ـ ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا لَيْلَهَا وصُوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيه الغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألامُبْلًى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر"
وحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" ورواه الطبراني، وحسنه الألباني..
وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن" رواه ابن ماجه، وابن حبان .. وفي رواية أخرى.. أو منافق..
وحديث النسائي عن أسامة بن زيد ـرضي الله عنهما ـ أنه سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: لم أَرَكَ تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال “ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم"..
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان أحب الشهور إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان» رواه أبوداود..
وفي هذه اللحظة.. شاركني صديقي مائدتي.. وبادرني قائلا.. كل سنة وانت طيب.. النهاردة نص شعبان.. خلاص رمضان على الأبواب.. فاردت ان أشاركه ما افكر فيه.. فقلت له.. انت عارف شهر شعبان وليلة النص دي فضلها عظيم.. ولها أسماء كثيرة منها "ليلة البراءة" أو "الغفران" أو " القدر".. فالمعنى المراد من ذلك أنها ليلة يقدر فيها الخير والرزق ويغفر فيها الذنب، وهو معنى صحيحٌ شرعًا.. وشهر شعبان بيرفع فيه الأعمال.. فقاطعني صديقي.. هو مش فيه حديث ان الأعمال بترفع يومي الإثنين والخميس.. يبقى ازاي بقى..فقلت له.. أيوة..عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تُعرَض الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ؛ فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ" رواه الترمذي..
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر الله لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". رواه مسلم..
ولكن معنى رفع الأعمال في شهر شعبان وفي يومي الاثنين والخميس هو أن الأعمال -سواء كانت قولية أو فعلية- تُعرَض على سبيل الإجمال في شهر شعبان.. وده يسمى رفع للأعمال سنوي.. بينما تعرض في يومي الاثنين والخميس.. فده على سبيل التفصيل.. ويسمى رفع أسبوعي للأعمال..
طيب.. وعملية تحويل القبلة دي.. من بيت المقدس للكعبة المشرفة .. مش كانت في شهر شعبان برضه.. فاجبته.. اختلفت الروايات بين تاريخين.. احدهما في منتصف شهر شعبان.. من السنة الثانية للهجرة.. والرأي الثاني في نصف شهر رجب من نفس السنة .. لكن المهم هو الهدف والغاية من عملية التحويل ذاتها.. والآية الكريمة تقول:" قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ".. فالله أراد ان يفند مزاعم اليهود الذين كانوا يقولون للنبي وقتها أنه والمسلمين تابعين لهم يتوجهون لنفس قبلتهم.. وفي الوقت نفسه.. أراد الله ان يمحص الإيمان في قلوب المسلمين ويثبتهم في الاتباع وتنفيذ أوامر الله عز وجل.. حتى انه عندما جاء الخبر بتحويل القبلة.. تحول المسلمون وهم في صلاتهم .. ولم ينتظروا حتى ينتهوا من الصلاة ليتثبتوا .. ولكن مثلهم في ذلك.. هو السمع والطاعة..
وكمان الليلة دي الدعاء فيها مستحب.. فقال.. ازاي.. فقلت له.. ورد في الأثر عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ سمعته، أي رسول الله، يقول في السجود ” أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سَخَطِكَ، وأعوذ بك منك، لا أُحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك” رواه البيهقيوفيه صيغ كثيرة للدعاء.. المهم الإخلاص.. مثلا: «اللَّهُمَّ يَا ذَا الْمَنِّ وَلَا يُمَنُّ عَلَيْهِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، يَا ذَا الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ظَهْرَ اللَّاجِئينَ، وَجَارَ الْمُسْتَجِيرِينَ، وَأَمَانَ الْخَائِفِينَ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ شَقِيًّا أَوْ مَحْرُومًا أَوْ مَطْرُودًا أَوْ مُقَتَّرًا عَلَيَّ فِي الرِّزْقِ، فَامْحُ اللَّهُمَّ بِفَضْلِكَ شَقَاوَتِي وَحِرْمَانِي وَطَرْدِي وَإِقْتَارَ رِزْقِي، وَأَثْبِتْنِي عِنْدَكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ سَعِيدًا مَرْزُوقًا مُوَفَّقًا لِلْخَيْرَاتِ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ فِي كِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾، إِلَهِي بِالتَّجَلِّي الْأَعْظَمِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ الْمُكَرَّمِ، الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُبْرَمُ، أَنْ تَكْشِفَ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا نَعْلَمُ وَمَا لَا نَعْلَمُ وَمَا أَنْتَ بِهِ أَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ».. وهنا قال صديقي.. اللهم امين يارب..وللحديث بقية..
لمزيد من المقالات
المقهى الدبلوماسي.. الأب.. وجمهورية أوزبكستان
محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام
بينما كنت أرتشف قهوتي الفرنسية على مائدتي بالمقهى الدبلوماسي.. إذ جاءني صديقي العزيز يسألني.. انت كنت مختفي فين بقالك يومين.....
ما إن ينتهي الشهر الكريم.. حتى يغلبنا الشوق إليه.. ونبدأ في انتظار عودته.. ونشعر بذلك ونحن نودع شهر شوال أيضا.....
لا أدري ما الذي جعل هذه المأثورة للإمام الحسن البصري تقفز أمام عيني.. وكانها تحدث أمامي الأن.. ربما لأهمية الرسائل...
ومثلما جاء رمضان ..انقضى.. وجاء العيد وانتهى.. وعادت الأيام لرتابتها المعتادة.. فما أن يأتي الصباح.. فنتمنى قدوم الليل.. حتى ينقضي...